طالبت محكمة الجنايات المشرع الكويتي بإعادة النظر في التشريعات الجنائية المنظمة لقضايا المؤثرات العقلية، لأن الواقع كشف أنها باتت تمثل ظاهرة اجتماعية خطيرة تستوجب إعادة النظر في التشريعات، وإيجاد وسائل عقابية تتناسب مع الأضرار التي يتسبب فيها الجناة بجلب وحيازة المواد المخدرة.
حكم «الجنايات» التاريخي، الذي أصدرته المحكمة برئاسة المستشار متعب العارضي، وعضوية القاضيين شريف الماحي وعمر العتيبي، جاء على خلفية إصدارها حكما قضائيا بإدانة ستة متهمين بجلب مواد مخدرة، والحصول على رشوة، بعد أن قضت المحكمة بحبس أربعة متهمين 15 عاما، وحبس متهمين آخرين 10 سنوات، وقررت عزل عدد من المتهمين من وظائفهم الحكومية في إدارة الجمارك، بعد ثبوت تقصيرهم في العمل، وحصول آخرين على رشوة مقابل تمرير الممنوعات.
وقالت «الجنايات»، في حيثيات حكمها الذي تدق به ناقوس الخطر، إن «الواقع العملي لقضايا المؤثرات العقلية المعروضة أمام المحاكم الجزائية يكشف أنها لم تعد تمثل حالات فردية يمكن السيطرة عليها وفق أدوات السياسة التشريعية الحالية، سواء العقابية أو العلاجية، بل تحولت إلى ظاهرة اجتماعية خطيرة تستوجب إعادة النظر في التشريعات الحالية، وإيجاد وسائل عقابية تتناسب مع الأضرار التي يتسبب فيها الجناة لاسيما قضايا جلب وحيازة المواد المؤثرة عقليا بقصد الاتجار، والتي وإن كانت عقوباتها في بداية نشأة التشريع تتناسب مع بساطة تلك المواد ومحدودية أضرارها إلا أنها أضحت حاليا أشد خطرا وفتكا من المواد المخدرة، وتؤدي لكثرة وسوء استخدامها الى الإضرار الشديد بخلايا المخ، مما يتطلب معه الاستعجال بإيجاد سياسة متكاملة وجدية تشمل تشريعات جديدة تتضمن استحداث عقوبات رادعة تتناسب مع الاضرار التي يتسبب فيها الجناة، سواء من جلبها أو باعها أو روج لها بقصد المتاجرة بها».
المواد المؤثرة أضحت حالياً أشد خطراً وفتكاً من المخدرات
واضافت: «وكذلك يتعين على المشرع تشديد العقاب على كل موظف يكون من مهامه الوظيفية ضبط المواد المؤثرة عقليا أو منع دخولها البلاد أو مكافحتها ويخل بواجباته الوظيفية متعمداً، وكذلك تطوير باقي إجراءات المحاكمات المرتبطة بمكافحة المواد المؤثرة أو المخدرة، مثل أدوات إجراءات ضبطها ومحاكمات المتهمين بها، واستحداث عقوبات وإجراءات وقائية أكثر تقدما وتطورا تتناسب مع العصر الحالي، مع الاهتمام الجدي بتوفير العلاج المناسب للمتعاطين، بإنشاء مراكز صحية مستقلة ومنفصلة عن مستشفى الأمراض النفسية، وأن تكون مجهزة بالكوادر الطبية المتخصصة والمدربة وبأحدث طرق ووسائل العلاج المتبعة، مع تكثيف الجهود لضبط المتاجرين بها لتقديمهم إلى العدالة لينالوا العقاب الرادع والمناسب لأفعالهم».
وقائع القضية
وتتحصل وقائع القضية في أن المتهمين الأول والثاني اعتادا جلب مواد مؤثرة عقليا إلى داخل البلاد لمصلحة المتهم الرابع النزيل في السجن المركزي، والذي يتولى مهمة التنسيق مع من يسلم لهم البضاعة خارج البلاد، ومن يساعدهم من المفتشين الجمركيين بتمريرها دون خضوعها للتفتيش في مطار الكويت الدولي، كما يقوم بدفع مبالغ مالية لمصلحة المتهمين الأول والثاني والمفتشين الجمركيين، نظير أعمالهم في المساهمة بإدخال المؤثرات العقلية المجرمة داخل البلاد بطريقة مخالفة للأنظمة والتشريعات المحلية.
يتعين تشديد العقاب على كل موظف يخل بواجباته في منع دخول تلك المواد للبلاد أو مكافحتها
وقد اتموا مهمتهم وتم ضبط المتهم الثاني بعد خروجه من بوابة المطار وبحوزته الحقائب السبع مملوءة بالمواد المؤثرة عقليا السالف بيانها، وبعد أن ساهم المتهمان الخامس والسادس، بصفتهما الوظيفية (مفتشين جمركيين)، في تمرير الحقائب دون ضبطها في منطقة التفتيش، تنفيذا لتعليمات المتهم الرابع، وقد ثبتت تلك الوقائع الإجرامية بحق المتهمين السالف بيانها أخذاً بمؤدى أدلة الثبوت المتساندة فيما بينها لتدل بما لا يدع مجالا للشك على ارتكاب المتهمين المذكورين ما نسب إليهم.
وتتمثل تلك الأدلة في شهادة وتحريات ضابط المباحث، وشهادة رئيس المفتشين، ومحتوى كاميرات المراقبة في مطار الكويت الدولي، المتضمن استلام المتهم الثاني للحقائب محل الاتهام، وكذلك ضبط الحقائب برفقة المتهم الثاني عقب خروجه من بوابة المطار، ووجود محادثات هاتفية في هاتف المتهم الثاني مع المتهم الرابع، وعدة مكالمات بينهما في ذات يوم الواقعة قبل الوصول الى البلاد، وتدوين اسم المتهم الأول على بطاقات الحقائب محل الاتهام، ووجود رسالة هاتفية في هاتف المتهم الأول عبر «الواتساب» تحمل رابط دفع بمبلغ 1000 دينار، محول من المتهم الرابع لمصلحة المتهم الثاني.