اخر اخبار نواب مجلس الأمة

انتقال كلية الحقوق إلى الشدادية… «خذوه فغُلّوه»

بين مد وجزر وعدم وضوح رؤية وحلول ترقيعية لتحقيق ما يسمى بنقل مرفق كلية الحقوق من حرم الشويخ للشدادية، ليس لنا إلا طرح التساؤلات التالية والإجابة عنها إن توافرت الإجابة، وفي مقال هو الثاني، حرصت على كتابته لشعوري بالمسؤولية ليطّلع عليه متخذ القرار وغيره من المهتمين بهذا الشأن، أبدأه بالأسباب التي تدعونا لعدم تشجيع الانتقال على الأقل في الوقت الحالي:

أولا: مبانٍ غير كافية

هل المباني والقاعات الموجودة في الشدادية تغطي الحاجة الحالية والحقيقية لمتطلبات التعليم في الكلية؟

وفق الإحصاءات المتوافرة لدينا، فإن كلية الحقوق الآن تعمل بواقع 44 قاعة دراسية بسعات مختلفة مخصصة للمواد الأساسية بالكلية، في حين أن مواد غير الحقوقيين نقلت للشدادية، وتم استخدام المبنى الشمالي لذلك، القاعات المتوافرة في الشدادية لا تتعدى 28 قاعة دراسية، إضافة الى 11 مختبرا سيتم تحويله لقاعات لا تتعدى السعة المكانية فيها من 20 الى 50 طالبا بالكاد، لم تحوّل حتى الآن، ولن يستطيعوا القيام بذلك إلا بعد مرور سنتين من تاريخ تسلّم المبنى، وفق العقد المبرم مع المقاول.

إذن سنكون أمام عجز وقصور شديدين في القاعات، هذا على افتراض أن العمل والتشغيل سيكون من خلال الإمكانات الكلية لمبنيي كلية الحقوق الشمالي والجنوبي، وخصوصا أن جزءا من المبنى الشمالي قد تم شغله من كلية العلوم الطبية أساسا.

خلاصة القول أنه سيتم نقل كلية الحقوق من سعة مكانية مناسبة الى مساحة مكانية أقل من سابقتها، مما سيؤثر على العملية التعليمية المنضبطة، نتيجة لعدم وجود عدد كافٍ من القاعات الدراسية.

ثانيا: جودة التعليم

جودة التعليم أحد الأهداف الأساسية والجوهرية التي أقرتها المادة 3 من قانون الجامعات الحكومية، فالعملية التعليمية تجود وتحسّن عندما يكون هناك تواصل مباشر بين المعلم ومتلقي المعلومة، مما يسمح بالحوار والنقاش والتنبيه للأخطاء وتصحيحها حال وجودها، ولكن الأمر سيختلف في حال اعتماد الفصول ذات الكثافة العالية، مما يؤدي إلى ضعف التواصل بين المعلم والمتعلم، فالجامعات المتميزة تحرص أن يكون الأصل جودة الكيف لا كثافة الكم، فلا تطبّق الكثافة العالية إلا كاستثناء وليس كأصل ونتيجة لظروف استثنائية حتمت عليها، ذلك كنقص في عدد أعضاء هيئة التدريس مثلا، وهو أمر غير وارد في كلية الحقوق، فعدد أعضاء هيئة التدريس كافٍ ووافٍ ليحقق جودة التعليم المنشودة.

ثالثا: اللجوء للحلول الترقيعية

لم تراعِ مباني كلية الحقوق في الشدادية خصوصية التعليم في هذا المرفق، فلم تخصص فيها قاعات للاختبارات النهائية والتي تعقد من خلال آلية خاصة بالكلية تسمى بالكونترول، وهذا يعني أن تكون الاختبارات فيها موحدة للفرقة الدراسية الواحدة والذي لا يقل العدد فيها عن 600 طالب، وخلال مدة شهر أو أكثر من ذلك بقليل (38 يوما).

فهل يعقل إقامة الاختبارات في البهو أو المدرجات أو الممرات؟ فهذا يؤثر على حيادية الاختبارات ولا يوفر البيئة الملائمة للطالب بما يحقق العدالة والإنصاف، ويعيق حركة المستخدمين للمرفق في هذا الوقت، فنحن لا نتكلم عن يوم أو يومين يمكن أن تعقد فيها الاختبارات في أيام غير أيام العمل المعتادة، كما يحدث في اختبارات القدرات في الجامعة.

رابعا: تقسيم ومد اليوم الدراسي

القول بمد اليوم الدراسي وتقسيمه الى فترة صباحية وفترة مسائية لمواجهة نقص عدد القاعات أمر يصعب تطبيقه، ويحد من حرية إختيار الطالب للشعب والمقررات التي تناسبه ويحمل الطلبة والموظفين من أمرهم رهقا.

خامسا: الزحمة الشديدة

مشكلة الزحمة الشديدة في حرم الشدادية لا تزال قائمة ويشتكي منها الكثيرون من طلبة وموظفين وانتقال كلية الحقوق بطلبتها وموظفيها وأعضاء هيئة التدريس يعني نقل أكثر من 4000 شخص بتبعاتهم، مما يفاقم المشكلة ويجعل الحل صعبا وأكثر تعقيدا.

وأحب أن أشير الى أنه من السيئ أن يكون الانتقال بذاته ولذاته هو مبرر قرار الإدارة، بل يجب أن يرتبط هذا القرار بحُسن إدارة العملية التعليمية وجودة تحقيقها، فان كان الانتقال محققا لهذا الهدف فبها ونعمت، وإن كان يبتعد عن هذا الهدف فيصبح عند ذلك ذلك أمرا غير جدير للسعي له، ويحسن البحث عن حلول أخرى، يكون رائدها حُسن إدارة العملية التعليمية.

وهذ الأمر لا يتعارض مع القوانين والاتفاقيات المطبقة بهذا الشأن:

1- القانون رقم 76/2019 في شأن الجامعات الحكومية يسمح بتحقيق هذه النتيجة، فالمادة 40 منه تقرر في الفقرة الأولى انتقال الأراضي والمباني المخصصة لجامعة الكويت لمصلحة جامعة عبدالله السالم، ثم تقرر الفقرة الأخيرة من نفس المادة أنه لا يجوز لهذه الجامعة أن تتنازل عن المباني المخصصة لها إلا لجامعة حكومية بعد موافقة مجلس الجامعات الحكومية، وجامعة الكويت بطبيعة الحال هي جامعة حكومية.

2- قررت اتفاقية التعاون لتطبيق المادة 40 من القانون رقم 76/ 2019 في شأن الجامعات الحكومية في المادة الرابعة منها فقرة 3 «مواقع ومباني ومرافق وموجودات سوف تستمر فيها جامعة الكويت لوجود حاجة لها تظل في عهدتها لحين تسليمها لجامعة عبدالله السالم، وتبرم بشأنها عقود تراخيص بين الجامعات بإيجار رمزي وتكون جامعة الكويت مسؤولة عن توفير الخدمات المطلوبة كافة لعملية تشغيل الموقع أو المبنى، مع مراعاة تضمين عقود المبنى ذلك»، وهذا يعني أن جامعة عبدالله السالم موافقة على مبدأ استخدام جامعة الكويت للمباني المخصصة لها، والإشارة للإيجار الرمزي تجد مبررها في تقرير أن نقل استخدام المباني لجامعة الكويت لا يخل بحقيقة أنها مخصصة لها.

وفي النهاية، فإن تحقيق أهداف الإصلاح الذي تبتغيها القيادة السياسية العليا في الدولة لا تكون من خلال أهداف ورقية، بل تتجسد بالرهان على مخرجات ذات جودة عالية ناتجة عن الإدارة الجيدة للعملية التعليمية، حتى لوكان الحل هو بقاء كلية الحقوق في مكانها، وهو حل مثالي يجنّب الإدارة الكثير من الصعوبات، وخير مثال على ذلك جامعة باريس1 Sorbonne وجامعة باريس 2 Pantéon Assase، حيث تشتركان في المبنى التاريخي نفسه المنسوب للإخوان Sorbonne، ولم يمنعهما ذلك من الحصول على تصنيف عال بين الجامعات في العالم.

ونعتقد أن التعاون بين جامعتي الكويت وعبدالله السالم أمر يصبّ في المصلحة التعليمية العامة ويحقق الهدف من إنشاء جامعات حكومية متعددة تخدم النظام التعليم العالي في الدولة، وهو أمر يجب النظر فيه بجدية من قبل مجلس الجامعات الحكومية والجهات التي تعنى بجودة التعليم، قبل فوات الأوان.

* أستاذة القانون المالي في كلية الحقوق/ جامعة الكويت

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط