تحل يوم غد الأربعاء 30 الجاري الذكرى السادسة والعشرون لتربُّع الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين، وهي مناسبة سنوية غالية يستحضر فيها الشعب المغربي، بأسمى مظاهر الاعتزاز والفخر، قوة التحامه بالعرش العلوي المجيد، ويجدد فيها كذلك روابط البيعة والولاء لملكه المفدى سليل الدوحة العلوية الشريفة.
ويتزامن احتفال هذا العام بعيد العرش المجيد مع مواصلة الورشات التنموية الكبرى في إطار مشروع حداثي تمت بلورته تحت القيادة الحكيمة والمتبصرة لصاحب الجلالة. فقد مكنت مجموعة من المشاريع المهيكلة من إحداث تحولات عميقة بالمغرب على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية والمؤسساتية، وذلك بفضل دينامية الإصلاحات التي شملت جميع القطاعات الحيوية في مجموع جهات المملكة.
وهكذا أضحت المملكة تتوفر على بنيات تحتية حديثة في مجالات متنوعة من قبيل الطرق السيّارة، بشبكة تمتد لأكثر من 2000 كيلومتر، والتي يتوقع أن تصل إلى 3000 كيلومتر عام 2030، وخط للقطار فائق السرعة، الأول في إفريقيا، من طنجة إلى الدار البيضاء، والذي سيتم إنجاز المرحلة الثانية منه إلى مراكش في غضون سنوات قليلة.
ويشكّل ميناء طنجة المتوسط، المصنّف من بين أفضل 20 ميناء للحاويات في العالم والأول على مستوى البحر الأبيض المتوسط والقارة الإفريقية، فضلا عن المشاريع الطموحة لميناءي الناظور غرب «المتوسط» والداخلة الأطلسي، لبناتٍ أخرى في مجال تعزيز الربط البحري للمملكة.
وبالنظر إلى أهمية الربط الجوي، انخرط المغرب في عمليات تطوير للمطارات الكبرى وتحسين الخدمات اللوجستية لتسهيل حركة المسافرين، حيث تصل استثمارات هذه المشاريع إلى 42 مليار درهم مع حلول 2030.
ويأتي البرنامج الاستثماري لشركة الخطوط الملكية المغربية الذي يسهم بمضاعفة أسطولها الجوي 4 مرات، لينتقل من 50 طائرة حاليا إلى 200 طائرة في 2037.
وفي مجال الطاقة، أصبح المغرب قطبا رائدا على المستويين الإفريقي والعالمي في مجال الطاقات المتجددة، حيث يتوفر على محطات للطاقة الشمسية والريحية، ومشاريع طموحة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، كما أعلن المغرب إطلاق 6 مشاريع كبرى للهيدروجين الأخضر باستثمارات تبلغ 32.6 مليار دولار.
ولتنويع اقتصاده، أصبح المغرب قطبا صناعيا ولوجستيا ذا سمعة عالمية، لاسيما في القطاعات ذات القيمة الاستراتيجية الكبرى من قبيل صناعة السيارات والطيران، والصناعات الغذائية، فالمملكة توجد اليوم في موقع جيد لدخول نادي أفضل 50 دولة في تصنيف البنك الدولي في «ممارسة الأعمال».
ويواصل المغرب تحسين مناخ الأعمال من خلال تفعيل مقتضيات الميثاق الجديد للاستثمار، وتبسيط الإجراءات الإدارية وتقديم حوافز مالية وضريبية، مما يساهم في استقطاب مستثمرين جدد وتعزيز تنافسية المقاولات. وتعمل الحكومة بتنسيق مع المراكز الجهوية للاستثمار والقطاع الخاص على تشجيع الشركات الأجنبية التي تساهم في نقل التكنولوجيا وتكوين الكفاءات المحلية، مع التركيز على خلق فرص الشغل القارة وتحقيق قيمة مضافة داخلية.
هذا المجهود الجبار تواكبه إصلاحات مهمة على المستوى الاجتماعي وفي مجال التنمية البشرية، وهو ما يؤكد الحس الإنساني والاجتماعي لجلالة الملك، الذي ما فتئ يولي اهتماما بالغا لهذا المجال، قصد جعل الفئات الاجتماعية المحرومة تستفيد من ثمار التنمية.
وقد مكّنت هذه التحولات، بفضل الرؤية السديدة للملك محمد السادس، من تعزيز مكانة المغرب كوجهة مفضلة للاستثمارالأجنبي. فقد صنفت تقارير أجنبية المغرب في صدارة الدول الإفريقية كأفضل بلد لرجال الأعمال الأجانب خلال سنة 2025، واحتلاله المرتبة 34 عالميا في قائمة ضمت 68 دولة.
ويُعزى هذا التصنيف المتقدم إلى مجموعة من العوامل المتكاملة، أبرزها المناخ السياسي المستقر الذي تنعم به المملكة، والموقع الجغرافي الاستراتيجي للمغرب، الذي يشكّل نقطة وصل حيوية بين إفريقيا وأوروبا والمحيط الأطلسي، مما يمنحه قدرة تنافسية قوية في الربط بين الأسواق، إضافة إلى البنية التحتية الحديثة التي راكمها على مدى السنوات الماضية، سواء على مستوى الموانئ الكبرى، كالدار البيضاء وطنجة المتوسط، أو شبكات الطرق والسكك الحديدية والمناطق الصناعية المؤهلة لاستقبال الاستثمارات الكبرى.
ويعكس هذا الأهمية التي يوليها قائدا البلدين الملك محمد السادس وأخوه سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد، في وضع الإطار الأمثل لشراكة متقدمة ومتطورة بين البلدين الشقيقين على مختلف الصعد.
ولا أدل على هذا التوجه من حجم الاستثمارات الكويتية في المغرب ووتيرتها التصاعدية، إذ سجلت سنة 2023 نسبة 0.4 بالمئة من مجموع الاستثمارات المباشرة الأجنبية بالمغرب، وشكلت مداخيل الاستثمارات المباشرة المرتبطة بسوق الرساميل 63.7 بالمئة من مجموع الاستثمارات الكويتية. وتبلغ قيمة الاستثمارات الكويتية المباشرة في المغرب حاليا نحو مليار ونصف المليار دولار، ويحظى قطاعا التجارة والعقار بجاذبيتهما لدى المستثمرين الكويتيين.
وبهذه المناسبة، لا بُد من التنويه والإشادة العالية بالتعاون والتنسيق القائمين بين البلدين في المحافل الدولية، وبالموقف الثابت والراسخ لدولة الكويت الداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية، وهو الموقف النبيل الذي ما فتئت تؤكده بجميع المناسبات وفي مختلف المحافل الإقليمية والدولية.
على مستوى آخر، يبذل المسؤولون في البلدين جهودا حثيثة لتطوير العلاقات في مختلف المجالات، كما تعتزم السفارة، بالتعاون مع الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، والكونفدرالية المغربية للمصدّرين بالمغرب، وبالتنسيق مع وزارة الخارجية الكويتية، تنظيم ملتقى تجاري بالكويت في سبتمبر المقبل، بمشاركة ممثلي شركات مغربية تعمل في قطاعات الصناعات الغذائية، والنسيج والجلد، ومواد التجميل، والتجهيزات الطبية.
* سفير المغرب لدى الكويت