شكلت التحديات المتزايدة التي تواجهها الكويت لتأمين الطاقة الكهربائية، مدخلاً لبعض الطروحات التي تتضمن اعتماد خيار الطاقة النووية السلمية كأحد الخيارات الإنتاجية، وهو الطرح الذي حمله المستشار الأول للتنافسية التجارية في مجال الطاقة النووية بوزارة الخارجية الأميركية، جاستن فريدمان، إلى الكويت في يونيو الماضي، حيث أجرى سلسلة لقاءات مع مسؤولين حكوميين وخبراء وممثلين عن مؤسسات علمية، لبحث إمكانية إنشاء محطة للطاقة النووية المدنية باستخدام المفاعلات الصغيرة المبتكرة، مبديا الاستعداد لدعم الكويت بإنشاء هذه المحطة. وفي حوار مع «الجريدة»، سلّط فريدمان الضوء على أولويات الولايات المتحدة في التعاون النووي المدني، وما يمكن أن تقدمه الشركات الأميركية من دعم فني وتقني للكويت، مشدداً على أن أمن الطاقة هو أمن قومي، وأن لدى الكويت الكفاءات اللازمة لخوض هذه الخطوة المستقبلية… وفيما يلي نص الحوار:
• حملتم الى الكويت مشروعاً لإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية، فهل تعتقد أن الطاقة النووية تشكل الحل الأمثل لأزمة الكهرباء ضمن إطار زمني معقول؟
– لنبدأ بتحديد «إطار زمني معقول»، حيث تعمل الحكومة الأميركية وشركاتنا الرائدة على نشر أحدث التقنيات النووية المدنية في العالم، التي تخطط لتشغيلها خلال السنوات الخمس إلى السبع المقبلة، إذا مضت الكويت قدماً في برنامجها النووي المدني، فقد تتمكن من تشغيل أول محطة للطاقة النووية في السنوات التالية.
وهدف زيارتي للكويت كان لتعميق ولتركيز مناقشاتنا على التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية، ففي اجتماعاتي مع ممثلين عن مسؤولين حكوميين من وزارة المياه والطاقة، ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ومعهد الكويت للأبحاث العلمية، إلى جانب مجموعة واسعة من ممثلي القطاع، أعتقد أننا حققنا ذلك. وأتطلع إلى مواصلة هذا الحوار المهم في سياق شراكتنا الاستراتيجية العميقة والقوية لمساعدة الكويت على تحقيق أهدافها في تطوير قطاعها النووي المدني.
• كيف يمكن للكويت، كدولة تسعى إلى تنويع مصادر طاقتها، أن تستفيد من التعاون مع الولايات المتحدة في تطوير برامج الطاقة النووية السلمية؟
– أمن الطاقة هو أمن قومي. ومنذ عام 1954 وبرنامج الرئيس دوايت أيزنهاور الأصلي «الذرّة من أجل السلام»، قادت الولايات المتحدة العالم في تطوير برامج طاقة نووية آمنة ومأمونة وسلمية. نؤمن بأن العمل مع الشركات الأميركية يُساعد شركائنا على تحقيق أهدافهم في أمن الطاقة وتنويع مصادرها، مع الاستفادة من التقنيات الرائدة عالميًا وثقافة السلامة الراسخة التي تُقدمها شركاتنا في مشاريعها حول العالم.
• هل هناك حوار مستمر بين الولايات المتحدة والكويت بشأن تطوير القدرات النووية السلمية؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هو نطاق هذا التعاون؟
– نعم، الغرض من زيارتي للكويت هو، جزئياً، مواصلة تركيز حوارنا. ونحن نعمل معاً لتحديد نطاق تعاوننا بما يتماشى مع أهداف الكويت الاستراتيجية في مجال الطاقة وأولوياتها الوطنية. وقد ناقشنا بعض التوصيات الرئيسية في الورقة البيضاء الجديدة التي أعدتها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي وشركاؤها بعنوان «التحول الطاقي في الكويت… فرصة بقيمة 389 مليار دولار»، وينصب تركيزي على التعاون النووي المدني السلمي، الذي آمل أن تؤدي فيه الولايات المتحدة والشركات الأميركية دوراً مهماً.
• إلى أي مدى يمكن للولايات المتحدة مساعدة الدول الصغيرة مثل الكويت في التغلب على التحديات التقنية واللوجستية لبناء وتشغيل المفاعلات النووية المدنية؟
– نرغب في العمل مع الكويت والدول الأخرى التي تسعى إلى الشروع في برنامج نووي مدني يلبي احتياجاتها الخاصة، وتتمتع الكويت بخبرة تقنية قوية، ويُظهر تعاوننا الوثيق في قطاع النفط والغاز أننا نعرف كيف نعمل معاً لمواجهة أي تحدٍّ لوجستي. سيعود العمل مع الشركات الأميركية في القطاع النووي المدني بالنفع على الكويت من خلال استثماراتنا الطويلة الأجل في دعم تطوير تكنولوجيا نووية مدنية آمنة ومأمونة، وخبرتنا التي تزيد على 70 عاماً في بناء وتشغيل محطات الطاقة النووية بأمان ومسؤولية.
• بصفتك المستشار الأول للتنافسية التجارية في مجال الطاقة النووية بوزارة الخارجية الأميركية، ما الأولويات الرئيسية للولايات المتحدة في دعم تطوير الطاقة النووية المدنية في الشرق الأوسط؟
– ترحب الولايات المتحدة بالاهتمام المتزايد بالطاقة النووية المدنية لدى الدول الصديقة والشريكة في الشرق الأوسط. أولويتنا في العمل مع شركائنا حول العالم في مجال الطاقة النووية المدنية هي ضمان أعلى معايير السلامة والأمن ومنع الانتشار.
• ما المعايير التي تُلزم بها حكومة الولايات المتحدة لضمان التزام مشاريع الطاقة النووية المدنية بأعلى مستويات السلامة والأمن ومنع الانتشار؟
– نُلزم شركاتنا بنفس هذه المعايير العالية. بموجب قانون الطاقة الذرية لعام 1954، نحن مُلزمون بإبرام اتفاقية 123، وتُسمى هذه الاتفاقية نسبةً إلى المادة المحددة في هذا القانون، وتنشئ إطاراً ملزماً قانوناً للتعاون النووي السلمي المهم بين الولايات المتحدة وشركائها، مما يُرسي أساساً لشراكات نووية مدنية استراتيجية طويلة الأمد عالمياً. ويشترط القانون الأميركي عموماً سريان اتفاقية 123 قبل ترخيص صادرات كبيرة من المواد النووية الأميركية المنشأ (مثل وقود المفاعلات النووية) والمعدات (مثل المفاعلات النووية والمكونات الرئيسية) إلى شريك آخر.
• في ضوء تحديات المناخ العالمي، كيف تنظر الولايات المتحدة إلى دور الطاقة النووية المدنية في مساعدة دول الخليج على تحقيق أمن الطاقة والاستدامة البيئية؟
– تؤدي الطاقة النووية المدنية دوراً مهماً في ضمان أمن الطاقة في الولايات المتحدة، فمفاعلاتنا الـ 94 تُنتج نحو 100 غيغاواط من الكهرباء اليوم، أي نحو 20 بالمئة من إجمالي قدرة التوليد في الولايات المتحدة. وللمقارنة، يبلغ إجمالي القدرة المركبة للكويت من جميع المصادر نحو 22 غيغاواط. وقد أصدر الرئيس دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يستهدف تطوير 400 غيغاواط إضافية من الطاقة النووية بحلول عام 2050. وعلى كل دولة أن تقرر ما إذا كانت ترغب في إدراج الطاقة النووية المدنية ضمن مزيج الطاقة الخاص بها، وكيف تفعل ذلك، ولكن من الواضح أننا نرى أنها تؤدي دوراً فعالاً في تحقيق أهداف أمن الطاقة لدينا.
• ما الرسالة التي توجهونها إلى الكويت ومنطقة الخليج بشكل عام فيما يتعلق بتطوير القدرات البشرية والتقنية اللازمة لدخول مجال الطاقة النووية المدنية؟
– يبدأ برنامج الطاقة النووية وينجح بفضل قوة القائمين عليه، وقد استثمرت الكويت في تطوير الخبرات المهنية والأكاديمية والتقنية في المجال النووي المدني لدى مواطنيها على مدى سنوات عدة. وأُعجبتُ كثيراً بالخبراء الكويتيين الذين التقيتهم خلال السنوات الأربع التي قضيتها في هذا الجهد، ورسالتي هي مواصلة هذا العمل الرائع والعمل معاً لتحقيق أهدافكم في مجال الطاقة النووية المدنية، والتحدي سيكون في التنفيذ.