اخر اخبار نواب مجلس الأمة

مقترح محاور لتطوير النظام الصحي في الكويت (2 – 2)

بدايةً، لا بد من الإشادة بالقرار الحكيم لمجلس الوزراء ووزيرة المالية بإلغاء عقود التأمين الصحي في المؤسسات الحكومية. هذا القرار يعد خطوة في الاتجاه الصحيح لإيقاف الهدر والازدواجية في استخدام الموارد.

لقد تمكّنت الكويت من بناء بنية تحتية صحية متميزة على مستوى العالم، بتوزيع محكم للمراكز الصحية المتكاملة في كل منطقة، مما يعكس حرص الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال على توفير خدمات صحية متاحة، ومع ذلك ورغم هذه الإمكانيات الكبيرة والميزانيات الضخمة التي تُخصص للقطاع الصحي، لا تزال الخدمات الصحية لا تواكب هذا الإنفاق، ويعود ذلك إلى تخلف النظام الصحي عقوداً طويلة عن مواكبة التطورات التي شهدتها دول الخليج والعالم.

ومن غير الإنصاف أن نحمّل الإدارة الصحية الحالية تبعات هذا التخلف التاريخي وحدها، فقد شاركت إدارات سابقة، ونحن كذلك ساهمنا في بعض هذه السلبيات. ولكن المسؤولية الآن تقع على الإدارة الحالية لاستغلال الفرصة التاريخية التي يُتيحها عهد الإصلاح الجديد.

من هذا المنطلق، ندعو صُنّاع القرار إلى دراسة شاملة للنظام الصحي وضرورة تغييره جذرياً.

ومع اقتراب التشغيل الكامل لمستشفيات الضمان الصحي والمتوقع خلال العامين المقبلين، نرى أن هذه الفرصة التاريخية يجب أن تُستثمر لتطوير النظام الصحي وإعادة صياغته.

وفي هذا السياق، نعتزم تقديم خواطر لمقترح شامل للحكومة لطرحه على طاولة المسؤولين في وزارات الصحة والتخطيط والمالية، بما يضمن تحقيق نقلة نوعية في الخدمات الصحية، والارتقاء بمستواها بالحوكمة وترشيد الإنفاق.

المحور الأول: مستشفيات الضمان الصحي أولوية وطنية:

لا تكمن أهمية مستشفيات الضمان فقط في نقل نحو مليوني وافد من خدمات وزارة الصحة إلى خدمات الضمان الصحي، مما يخفف العبء المالي والإداري عن وزارة الصحة ويحسن تلقائياً جودة خدمات مستشفيات الحكومة، بل تتجلى أهميتها الأكبر في خلق أفضل الظروف لإعادة هيكلة وتحديث النظام الصحي في الكويت برمته.

مظلة واحدة لتقديم الرعاية تمنع الازدواجية وتوقف الهدر

وتجدر الإشادة بدور الحكومة، وخصوصاً النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، في حسم هذا الملف بعد تردد وزارة الصحة وتأخرها في اتخاذ خطوات جادة نحو تفعيل المشروع.

هذا التدخل الحاسم وضع حداً للتأخير، وفتح المجال لتفعيل العمل على استكمال مستشفيات الضمان الصحي كأولوية وطنية.

ومن خلال الاستعانة بخبرات الاستشاريين الأكفاء في وزارة الصحة، يمكن:

1. توظيف الكوادر الطبية والفنية والتمريضية المؤهلة.

2. تجهيز المستشفيات بالمعدات والتقنيات الحديثة.

3. تسريع برنامج افتتاح المستشفيات، مع وضع جداول زمنية محددة.

المحور الثاني: التغيير الشامل للنظام الصحي ومنع الازدواجية:

أ‌- استحداث المجلس الأعلى للصحة:

إن إنشاء مجلس أعلى للصحة يعد حجر الزاوية في إحداث التغيير والتطوير الشامل للنظام الصحي في الكويت.

يتبع هذا المجلس مجلس الوزراء مباشرة، مع تخصيص الأمانة العامة فيه لوزارة الصحة، وعضوية الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة بالصحة.

مهام المجلس الأعلى للصحة:

1. وضع الخطط والاستراتيجيات والسياسات العليا بحيث تكون خططاً ثابتة لا تتغير بتغيير الوزراء، وتنسيق السياسات مع جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني.

2. إلغاء الازدواجية ودمج جميع القطاعات الصحية ضمن إطار تنظيمي موحد يحدد الأدوار بوضوح.

3. تقتصر مهام وزارة الصحة على:

• الإشراف والتنظيم والمتابعة: تنفيذ الخطط والسياسات.

• الرقابة: مراقبة جودة الخدمات الصحية.

• تنتفي عن الوزارة مهام التمويل والتأمين الصحي وتقديم الخدمات المباشرة، التي ستُسند إلى مؤسسات وشركات منفصلة.

ب- موجز النظام الصحي المقترح:

استكمال تشغيل مستشفيات الضمان الصحي. هذا التوقيت يُعتبر مثالياً، حيث سيخف الضغط المالي والإداري على مستشفيات الحكومة ومراكزها، بعد انتقال حوالي مليوني وافد إلى مظلة مستشفيات الضمان.

الخطوات الرئيسية للنظام الصحي الجديد:

1. إنشاء شركات وطنية لإدارة المستشفيات والمراكز الصحية: لكل منطقة صحية شركة بإشراف هيئة الاستثمار وتنتقل لها ملكية المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية.

2. تُحول إدارات المناطق الصحية إلى أفرع لوزارة الصحة للقيام بالدور التنظيمي والرقابي.

3. إنشاء مركز التأمين الصحي الوطني: يتبع وزارة المالية ويموّل شركات المناطق الصحية عبر وثائق تأمين شاملة لكل مواطن، ويتم تحويله لاحقاً إلى شركة تأمين في هيئة الاستثمار.

استحداث المجلس الأعلى للصحة لوضع استراتيجية شاملة لا تتغير بتغير المسؤولين

الرقابة المحكمة في النظام الجديد:

• الرقابة المالية: تتم من خلال مركز التأمين الوطني الذي يراجع الفواتير ويضمن الشفافية ويحد من الهدر.

• الرقابة الفنية والمهنية: تشرف عليها وزارة الصحة وفروعها لضمان جودة الخدمات.

• رقابة المستفيدين ورضاهم عن الخدمات المقدمة.

نحو نظام صحي متطور ومستدام

إن تطبيق هذا النظام المقترح يُمثل خطوة جريئة ومدروسة نحو تحقيق نقلة نوعية في القطاع الصحي بالكويت. التوجه نحو فصل الأدوار التنظيمية والرقابية عن الأدوار التشغيلية، مع الاعتماد على نظام تأميني شامل، سيضمن رفع مستوى الخدمات الصحية وتحقيق رضا المواطنين. يُمثل هذا المقترح دعوة لصنّاع القرار لاغتنام هذه الفرصة التاريخية ضمن مسيرة الإصلاح، لضمان مستقبل صحي أفضل لجميع المواطنين.

المحور الثالث: المحور المهني والجودة:

• تحقيق معايير الجودة والاعتراف الدولي في المؤسسات الحكومية.

• تطبيق نظام السجل الصحي الإلكتروني الموحد لكل مواطن.

• نظام إحالة إلكتروني بين مستويات الرعاية (أولية، ثانوية، تخصصية) لضمان التكامل وتجنب الازدواجية على مستوى مقدمي الخدمات في عموم البلاد.

• وضع سياسات تشغيلية معتمدة للأقسام الفنية، مع مراجعة دورية للأداء.

• تفعيل وتحديث نظم إدارة الجودة والسلامة وتحسين تجربة المريض، مستفيدين من مبادرات مثل برنامج «أداء الصحة» في السعودية.

• إعادة هيكلة برامج التدريب والابتعاث وتصميم برامج تدريبية تتوافق مع احتياجات النظام الصحي وحاجات المجتمع.

المحور الرابع: تحقيق الاعتراف الدولي بالمستشفيات والمراكز الصحية:

يشير الاعتراف الدولي للمستشفيات إلى عملية تقييم مستقلة تُجرى بواسطة مؤسسات معتمدة عالمياً، للتأكد من التزام المستشفيات بمعايير الجودة الطبية وسلامة المرضى. تشمل هذه المعايير الجوانب التشخيصية والعلاجية والفنية والإدارية والسريرية للمستشفى، لضمان تقديم خدمات صحية متكاملة تتماشى مع أفضل الممارسات العالمية.

يبدأ تحقيق الاعتراف الدولي بتحديد المعايير والمؤسسات المعتمدة:

1. اختيار الجهة المناسبة لمنح الاعتماد (مثل JCI أو الاعتراف الألماني TUV أو ISO 15189 للمختبرات الطبية.

2. تقييم مدى توافق المستشفى مع المعايير المطلوبة ووضع خطة تصحيحية.

3. تطوير القوى العاملة والأنظمة والبرامج التشغيلية.

4. إنشاء أنظمة لإدارة الجودة مع إجراء مراجعات وتدقيقات داخلية وتصحيح الانحرافات.

الهيكلة الحديثة تفصل الأدوار التنظيمية والرقابية عن الأدوار التشغيلية والتمويل والتأمين

المحور الخامس: اقتصاديات الصحة وترشيد الإنفاق وإيقاف الهدر:

يواجه القطاع الصحي في الكويت وغالبية دول العالم تحديات اقتصادية متعددة تتطلب استجابة شاملة ومبنية على أسس علمية من خلال:

أولًا: الانتقال إلى النظام الصحي الشامل المقترح يقوم تلقائياً بالحد من الإنفاق غير المبرر ويرشد الاستهلاك.

– إنشاء نظام متكامل لمراقبة الموارد الصحية وربطها باحتياجات السكان.

– تحديد أولويات واضحة للمشاريع الصحية الجديدة بناءً على دراسات جدوى اقتصادية.

ثانياً: تحقيق الجودة من خلال الاعتراف الدولي الذي سيقوم تلقائيا بترشيد الاستهلاك ووقف الهدر والاستخدام الأمثل للموارد.

ثالثاً: التحول الرقمي واستخدام الذكاء الاصطناعي وإنشاء «ملف صحي موحد» لكل مواطن ومقيم، وإدارة المخزون الدوائي باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتطبيق الصحة عن بعد (Telemedicine).

رابعاً: إصلاح نظام العلاج بالخارج.

خامساً: تعزيز الحوكمة المالية:

– إنشاء هيئة وطنية موحدة للمشتريات الطبية تعمل على الشراء بالجملة بالتعاون مع القطاع الخاص لخفض الأسعار.

– التنسيق مع دول الخليج للتوسع في الشراء الموحد.

– استحداث نظام تأمين صحي شامل بحيث يكون ركيزة الحوكمة والتدقيق.

– استخدام مؤشرات الأداء والحوكمة مع استخدام بطاقات الأداء المتوازن Balanced score cards.

– معالجة التضخم الوظيفي وإعادة هيكلة القوى العاملة.

– برنامج تشغيل المستشفيات الجديدة.

المحور السادس: الأمن الدوائي والصناعات الدوائية:

الأمن الدوائي والصناعات الدوائية: أولوية وطنية، وتكمن أهمية الأمن الدوائي في أنه ركيزة للأمن الوطني كشفت عنه دروس جائحة كورونا. إن توطين الصناعات الدوائية يوفر فرص عمل، ويُسهم في تنويع مصادر الدخل، ويخفض التصنيع المحلي التكاليف، ويعزز جاهزية الكويت للأزمات الصحية.

توصيات استراتيجية

1. إنشاء منطقة صناعية متكاملة للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية، وقد تقدم بهذا المشروع من قبل الدكتور عبدالعزيز الجدعان.

2. تحفيز القطاع الخاص: إصدار تشريعات وتقديم حوافز للاستثمار المحلي والدولي.

3. استقطاب الشركات الدولية لنقل التكنولوجيا وتوطين الصناعة.

4. إعداد كفاءات متخصصة لدعم القطاع الدوائي في الكويت.

المحور السابع: تعزيز الصحة وطب المجتمع والتثقيف الإكلينيكي:

الإنسان أولاً وليس المريض هو ما توصي به جميع المؤسسات الدولية، وتدفع نحو إنشاء برامج شاملة ومتكاملة لتعزيز الصحة والوقاية من الامراض ومواجهة عوامل الخطورة الصحية التي تؤدي اليها، وعدم الاقتصار على معالجة المرضى، بل التركيز على تبني الإنسان السليم لنمط الحياة الصحي مع استخدام الوسائل الحديثة في التثقيف، مثل الصحة الرقمية، والذكاء الاصطناعي، لمواجهة الأمراض المزمنة التي تهدد الإنسان، مثل السمنة والتدخين والسرطان والحوادث المرورية، وهشاشة العظام وغيرها، وبهذا الصدد توجد العديد من المبادرات والاستراتيجيات العالمية، مثل:

1. تطبيق برامج التثقيف الصحي الإكلينيكي التي تعتمد على بيانات كل مريض وعوامل الخطورة لديه، ثم تقوم بتفصيل خطط تثقيف محددة له وخاصة مع تعميم استخدام السجلات الصحية الإلكترونية والذكاء الاصطناعي.

2. برنامج «أطباء نمط الحياة» وهو مفهوم طبي مبتكر يستهدف تدريب الأطباء والممارسين الصحيين على مفهوم «طب نمط الحياة» الذي يركز على الوقاية من الأمراض وإدارتها عبر تحسين التغذية، وزيادة النشاط البدني، وتقليل الإجهاد، ودعم الصحة العقلية.

3. استخدام مبادرات منظمة الصحة العالمية للصحة المتنقلة وخاصة باستخدام الذكاء الاصطناعي وإطلاق تطبيق ذكي للصحة العامة يتضمن نصائح يومية، ومتابعة الوزن، والسعرات.

المحور الثامن: الصحة الرقمية والذكاء الصناعي في النظم الصحية:

يمثل الذكاء الصناعي والصحة الرقمية حجر الأساس لتحسين نظم الرعاية الصحية عالمياً، ويتطلب ذلك تبني استراتيجية وطنية متكاملة.

• خفض التكاليف التشغيلية: مثل إدارة المخزون.

• تعزيز رضا المرضى: الاستجابة السريعة للشكاوى.

• تقليل الأخطاء الطبية: والتحقق من التفاعلات الدوائية.

• تطوير الكفاءات البشرية بناءً على بيانات الأداء.

• إدارة الأوبئة: التنبؤ بموجات انتشار الأمراض وتحديد المناطق المعرضة.

• زيادة الإنتاجية: أتمتة المهام الروتينية.

• تحسين الجودة: مراقبة الأداء وضمان الامتثال للمعايير.

ولتحقيق ذلك نحتاج الى وضع خطط قصيرة وطويلة الأمد لدمج الذكاء الصناعي في النظم الصحية وتعزيز البنية التحتية: وإنشاء السجل الإلكتروني الموحد والربط بين مراكز الرعاية الصحية والمستشفيات، وبين القطاع الحكومي والقطاع الخاص وتحفيز التدريب والتنمية البشرية للقوى العاملة في هذا المجال مع أهمية تحديث التشريعات والتنظيمات الصحية لتشجيع الابتكار وتبني التقنيات الحديثة مع ضمان الامتثال للقوانين الدولية وضرورة تعزيز خدمات التطبيب عن بعد والتوعية المجتمعية.

الاعتراف الدولي للمستشفيات يرفع كفاءة النظام الصحي ويضمن سلامة المرضى

وختاماً، نؤكد أن النظام الحالي التقليدي هو حجر العثرة والمصدر الرئيسي لإعاقة التطوير، وهو المدخل الواسع للهدر وسوء استخدام الخدمة وزيادة الإنفاق، وهو المتسبب في التسيب وضعف الإنجاز. ومن الصعوبة بمكان حل ما ذكرته من تحديات دون إرساء نظام حديث شامل وجذري لتعزيز الإصلاح في العهد الجديد.

يتبقى لنا في مقال قادم تفصيل المحور التشريعي ومحور تحفيز القطاع الخاص واستكمال بعض المحاور التكتيكية، عبر تطبيق هذه المحاور المستوحاة من الخبرات الشخصية الكويتية، والتجارب الإقليمية والدولية. وأثق بأن وزارة الصحة في هذا العهد الجديد قادرة على أن تحقق تحولًا جذريًا يرفع من كفاءة الخدمات الصحية.

التكلفة والبيروقراطية من التحديات الكبرى

لا يوجد وزير أو مسؤول في الكويت إلا ويدرك أن تكلفة المشاريع الحكومية تفوق أضعاف ما يمكن أن يُنجز في القطاع الخاص. ولا يختلف اثنان على أن الدورة المستندية العقيمة، والدولة العميقة التي ترعاها من مديرين ومسؤولين، تُشكل عقبة كبرى يصعب تجاوزها أو اختراقها.

لقد آن الأوان في هذا العهد أن تُكسر هذه الحلقة الضارة بمصلحة البلد، وأن يتم تفكيك هذه البؤر التي تفشّت فيها المحسوبيات ووسائل التنفيع، حيث أصبحت عائقاً حقيقياً أمام تحقيق الإصلاحات الجذرية. إن إحداث نقلة نوعية في النظام الصحي يتطلب أولاً مواجهة هذا التحدي بجرأة، من خلال استبدال البيروقراطية بنظم إدارية حديثة تعتمد على الكفاءة والمهنية بعيداً عن المصالح الشخصية.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط